أكثر من 1000 رضيع يولدون خارج إطار الزواج سنويا في تونس

 ما بين 1000 و1200 عدد الاطفال المولودين خارج إطار الزواج سنويا

أكثر من 1000 رضيع يولدون خارج إطار الزواج سنويا في تونس

يعد موضوع الأطفال المولودين خارج إطار الزّواج من الملفات المسكوت عنها في تونس، وذلك لعدة اعتبارات منها الاجتماعي والاخلاقي، حيث مازال مجتمعنا شأنه شأن كل نظرائه في البلدان العربية يرفض الاطفال الذين يولدون خارج الأطر الشرعية، بل ويحاسبهم ويقصيهم ويحمّلهم مسؤولية هم براء منها، أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ثمرة علاقة محرّمة شرعا وقانونا إما نتيجة اغتصاب أو وعد بزواج أو علاقات عرضية أو زواج عرفي، أطفال يجدون أنفسهم إما في دور رعاية أو جمعيات خيرية ويلاحقهم العار حيثما حلوّا، كما تلاحقهم تسميات متعددة أبشعها «لقيط» إضافة الى اسم "أطفال بورقيبة" كما هو متداول في تونس نسبة إلى الرئيس الأسبق الرّاحل الحبيب بورقيبة، الذي أحدث دورا لرعاية هؤلاء الأطفال. وقصد الرعاية بهذه الفئة، أحدثت الدولة المعهد الوطني لرعاية الطفولة بمنوبة اضافة الى وحدات عيش ودور رعاية، فضلا عن تكوين لجان تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة باثبات النسب، بعثت في 21 نوفمبر 1998، وتتكفل بمساعدة الأم لتحديد هوية الأب البيولوجي سواء عبر التحاليل الجينية أو القضاء، كما توجد 13 جمعية مختصة في رعاية الأطفال المولودين خارج اطار الزواج منهم جمعيتان تتكفلان بالأم ورضيعها وتسعى هذه الجمعيات والمعهد لا الى الرعاية والاحاطة النفسية والاجتماعية، فحسب، بل كذلك الى تكوين الأم وادماجها في الحياة الاجتماعية وضمان مورد رزق لها لاعالة طفلها في حالة استرجاعه وعدم التخلي عنه .

المشرّع التونسي ينصف الطفل ويتعسف على الأمّ

تعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي يحمي قانونها الأطفال المولودين خارج اطار الزواج اضافة الى مصادقتها على اتفاقية حقوق الأطفال كما ينص الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية على أن "يرث ولد الزنا من الأم و قرابتها". من جهة أخرى، أقرّ الفصل الأول من القانون المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 الذي تم تعديله بمقتضى قانون 7 جويلية 2003 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب، منح المولود الحق في النفقة والرّعاية من ولاية وحضانة ما لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا، كما يمكن للأم أن تطالب بالترفيع من نفقة ابنها. وكان المشرع التونسي أعطى الأم التونسية، منذ سنة 1998، الحق في إثبات نسب طفلها الذي انجبته خارج إطار الزواج الرسمي، وذلك بطرق عدة من بينها التحليل الجيني أو توفر الشهود، وهو ما يمكن المولود من التمتع بكافة حقوق الابن الشرعي، وقد وقع تنقيح هذا القانون سنة 2003 وأصبح القانون الجديد يلزم المدعى عليه باجراء التحليل الجيني بحكم قضائي ويعتبر تخلف الأب إثباتا ضمنيا للأبوّة. ولئن أنصف المشرع التونسي الطفل، فإنه منع الأم العزباء من مطالبة والد طفلها بالزواج منها أو الانفاق عليها الا في حالة ان تكون قاصرا؛ حيث يجبر القانون الأب على الزواج بها أو الزج به في السجن، وينص الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية التونسية على أن «الحمل والمعاشرة لا يولّدان حق الأمّ العزباء في مطالبة الأب بالزواج بها»، وبالتالي فان حق الأم يقتصر على مطالبة الأب البيولوجي باثبات النسب وفقا لدعوى قضائية، وحصولها على نفقة ابنها، نظرا لغياب أي نص قانوني يحمي الأم العزباء.

المجتمع المدني: مجهودات جبارة وظروف قاسية

تعمل عديد الجمعيات المدنية على مساندة الأطفال المولودين خارج اطار الزواج، وتهدف هذه الجمعيات والمقدر عددها بـ 13 جمعية موزعة على كامل تراب الجمهورية إلى مساندة الأم ورضيعها، وخاصة مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال والعمل على تحقيق الاستقلالية المادية للأم، إضافة الى تقديم المساعدات المادية والنفسية . ومن بين الجمعيات المهتمة بمساعدة الأم وايواء الأطفال نذكر "جمعية سبيل للأم والطفل". وفي حديث جمعنا برئيستها منيرة الكعبي وهي أيضا عضو باللجنة القارة لاثبات النسب المنضوية تحت وزارة الشؤون الاجتماعية، أكدت أن مركز الاحاطة والتوجيه التابع للوزارة يهتم بالاحاطة بالأم قبل الولادة فقط، وبالتالي يتكفل المعهد الوطني لرعاية الطفولة باحتضان الابن الى غاية بلوغه 6 سنوات، واضافة الى هذا المعهد تتكفل الجمعيات بايواء الأطفال ومساندة الأم ماديا وقانونيا لاثبات النسب. وأشارت محدثتنا الى أن جمعية سبيل تقوم اولا بمساندة الأم عند اصطحاب رضيعها، وذلك بتوفير المساعدات والاعانات، فضلا عن كون الجمعية تضم مبيتا يقيم به حاليا 18 رضيعا، مؤكدة ان الايداع بالجمعية مؤقت؛ يث تتراوح مدة الاقامة من يوم واحد الى عامين على أنه عادة ما تجد الجمعية صحبة الأم حلولا تمكنها من استرجاع طفلها مع توفير الحماية لهما وذلك قبل بلوغ الطفل العامين من عمره. وافادت منيرة الكعبي ان استقبال الحالات يكون عبر مندوب حماية الطفولة ووفقا لملف اجتماعي يتضمن بحث المرشدة الاجتماعية ومضمون الطفل وشهادة طبية تثبت سلامته الصحية وتدبير من قبل المندوب، موضحة أن الجمعية توفر عديد المساعدات للأمهات العازبات من مواد غذائية وملابس وغيرها. كما بينت أن الجمعية تسعى خلال فترة احتضان الرضيع الى اقناع الأب البيولوجي بالقيام بالتحليل الجيني واثبات النسب ايضا، إذ ترافق الجمعية الأم العزباء لتسوية وضعية الطفل القانونية ومنحه لقبا عائليا وتعمل على تحميل الأب الطبيعي لمسؤوليته القانونية والاجتماعية. واشارت المتحدثة الى أن الجمعيات تعاضد مجهود الدولة في الإحاطة بالأم العزباء وبصغيرها المولود خارج الإطار الرسمي للزواج. من جهة أخرى، بينت الكعبي أن جمعية سبيل تأسست سنة 2008، وان المبيت بعث سنة 2011 وضم قرابة 220 رضيعا منذ ذلك التاريخ، مؤكدة أن الدعم الذي تتلقاه الجمعية بسيط جدا ولا يفي باحتياجات الرضع ولا الطاقم العامل بها والذي يضم اضافة الى العملة 4 مرشدات، وأن مقر الجمعية سيباع قريبا، وبالتالي سيصعب على الجمعية مواصلة عملها. ودعت، في هذا الصدد، رجال الأعمال إلى دعم مثل هذه الجمعياتإ، موجهة نداء إلى كل مواطن الى من أجل التكفل بمصاريف ولو رضيع واحد من ملابس وحليب وحفاظات وغيرها من المستلزمات .

مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال

ومن بين الجمعيات المهتمة بالأمهات العازبات والأطفال المولودين خارج اطار الزواج معا، نذكر "جمعية أمل للعائلة والطفل"، التي تهدف بالأساس الى مقاومة ظاهرة التخلي عن الأطفال؛ حيث توفر الجمعية الحماية الاجتماعية للأم والاقامة اضافة الى تكوينها قصد تحقيق الاستقلالية المادية لها، ومرافقتها قانونيا الى حين الحصول على اثبات النسب، وتعمل ايضا على اعادة ادماج بعض الأمهات العازبات مع في عائلاتهن. من جانبه، أكد رئيس "جمعية أمل للعائلة والطفل" مالك كفيف ، أن الجمعية وبمجرد تعهدها بالأم ورضيعها تسعى، في مرحلة اولى، الى الاحاطة النفسية بالأم العزباء ثم الرعاية الصحية وتوفير المبيت لها وذلك قصد اثنائها عن التخلي عن طفلها، كما توفر الجمعية التوجيه القانوني والاداري لها قصد التحصل على حقوقها بصفة قانونية واثبات نسب ابنها سواء عبر التحليل الجيني او القضاء وتتحمل الجمعية كافة المصاريف العدلية. واضاف كفيف ان الجمعية تقوم، في مرحلة أولى، بايجاد حلول مع الأب البيولوجي وفي مرحلة ثانية، بالوساطة مع العائلة والمحيط القريب وبتوفير الاستقلالية المادية عبر تمكين الام من تكوين مهني وايجاد مورد رزق لها، في مرحلة لاحقة. وعن فترة اقامة الأم ورضيعها ، أوضح المتحدث أن المدة المحددة نظريا هي 6 اشهر وقد تصل في اقصى الحالات الى 9 اشهر، مؤكدا على أن الجمعية لا تتخلى عن الام ورضيعها دون ايجاد حلول جذرية لهما. وتضم جمعية أمل حاليا 60 أمّا عزباء، واكد مالك كفيف ان الجمعية تحتضن سنويا معدل 200 أمّ عزباء وعادة ما تتراوح اعمارهن بين 16 و35 سنة، مشيرا إلى انه تم احتضان فتيات بين 14 و15 سنة، أغلبهن من الجهات الداخلية للبلاد وذوات مستوى التعليمي متدن قد يصل الى الأميّة، وان حملهن كان نتيجة علاقات عرضية موضحا ان حالات الاغتصاب نادرة جدا . المندوب العام لحماية الطفولة: 90 بالمائة من الاطفال يقع التكفل بهم او تبنيهم وأكد المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي أن الدولة توفر الحماية للأم والطفل سواء من خلال التشريعات او من خلال إحداث مؤسسات اجتماعية لرعايتهما، حيث عادة ما تستقبل المكاتب الاجتماعية بالمستشفيات الأم وذلك بحضور الأطراف الأمنية قصد تسهيل عملية العثور عن الأب، ليتم في مرحلة ثانيا تحويل الأم ورضيعها سواء الى المعهد الوطني لرعاية الطفولة او الى الجمعيات. ويذكر ان المعهد الوطني لرعاية الطفولة هو مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية راجعة بالنظر لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية أحدث في31 ديسمبر 1971، ويحتضن الأطفال الى سن 6 سنوات ويتكون من جناحين أحدهما خاص بالادارة وأخر خاص بوحدات العيش. كما يتولى المعهد متابعة إجراءات إثبات النسب ويشجع على تبنيهم. ويشرف المعهد الوطني لرعاية الطفولة أيضا على تقديم الخدمات لمراكز عيش خيرية تقوم بدورها برعاية الأطفال غير الشرعيين، ومن أبرزها "جمعية ديار الأمل" بالعاصمة. ويتم، وفق المصدر ذاته، امهال الأم مدة تقدر بعام ونصف قصد تحديد موقفها فاما استرجاع الطفل على أن توفر الدولة، في هذه الحالة، دفتر علاج مجاني لها ولابنها او التخلي عنه نهائيا عن طريق القضاء، وفي حالات التخلي يقوم المعهد بالتشجيع على الكفالة والتبني، مبينا ان 90 بالمائة من الاطفال يتم التكفل بهم او تبنيهم قبل بلوغهم سن الست سنوات، وفي حال حمل الطفل لاعاقة تتكفل به الدولة من خلال ايوائه بمركز سند بسيدي ثابت . وبخصوص قرى الأطفال « اس او اس» وعددهم 4 قرى بكل من قمرت وأكودة وسليانة والمحرص، بيّن المتحدث أن الأطفال الذين يتم ايداعهم بهذه القرى هم على ذمة امهاتهم وعائلاتهم الى غاية بلوغ سنّ الرشد ولا يمكن تبنيهم او كفالتهم . واشار إلى ان المعدل السنوي للأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 رضيع وان اعمار الامهات العازبات يكون عادة بين 20 و30 سنة . وبين المندوب العام لحماية الطفولة ان استرجاع الطفل من امه يكون في حالات التقصير اوانعدام الرقابة او استغلاله في التسوّل وغيرها من الاعمال، أو في حالة جلب اشخاص غرباء الى المنزل او قيام الأم بما ينافي الاخلاق .

احصائيات مفزعة

تشير الاحصائيات الرسمية الى أن عدد الأطفال المولودين خارج اطار الزواج يتراوح بين 1000 و1200 سنويا، عدد هام تراجع نسبيا في السنوات الأخيرة أو هذا ما اثبتته الارقام الرسمية اي باستثناء حالات الولادات التي تكون بالمنازل وببعض المصحات الخاصة التي لا تطبق الاتفاقية الوطنية والتي تنص على الاشعار بالولادات خارج اطار الزواج، وتشير احدث الاحصاءات ،وفق ما أمدتنا به الادارة العامة للنهوض الاجتماعي، الى أن عدد الولادات خارج اطار الزواج لسنة 2015، بلغ 920 رضيعا، وتم تسجيل 39 حالة وفاة مباشرة لرضع اثر الولادة، وحالتان لولادة من محرم و15 حالة اهمال بالطريق العام و131 حالة عود؛ أي انجاب المرأة لأكثر من طفل خارج اطار الزواج، و33 حالة فرار لأمرأة اثر الولادة مباشرة. وتبين مختلف الأرقام الرسمية أن غالبية هذه الولادات تسجل لدى فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة؛ بحيث نجد 33 بالمائة من "الأمهات العازبات" تتراوح اعمارهن بين 20 و24 سنة وأن 27 بالمائة منهنّ تتراوح اعمارهن بين 15 و19 سنة. كما تفيد الاحصاءات ذاتها ان 46 بالمائة من "الأمّهات العازبات" من ذوات المستوى التعليمي الإبتدائي، وأنّ 35 بالمائة منهنّ لهن مستوى تعليمي ثانوي، في حين أن 3 بالمائة منهنّ زاولن تعليما جامعيا.

المصدر: موقع "جمهورية" (بتصرف)

شارك: 
{{{"type":"anchor", "ring":"0", "page":"0"}}}
{{{"type":"anchor", "ring":"0", "page":"0"}}}